الشروط العامة لتحقق حالة التلبس
هناك مجموعة من الشروط العامة تسري على كل حالات التلبس لم يتعرض لها المشرع وحددها الفقه وجعلها أربعة وهي:
1-أن يتعلق الأمر بجناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس،
2-أن تحصل المشاهدة من قبل ضابط الشرطة القضائية،
3-أن تتم المشاهدة بصورة مشروعة.
الفقرة الأولى : تعلق الأمر بجناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس
لا يمكن تصور التلبس إلا بالنسبة للجنايات والجنح المعاقبة بعقوبة الحبس، وتخرج من دائرة الأفعال التي تشكل مخالفات وكذلك الجنح المعاقب عليها بغرامة. وهنا، نحن في غنى عن التأكيد بأن ساكن المنزل لا يملك خيارا بخصوص هذا الالتماس، مادام أن القانون يفرض واجب التبليغ عن الجرائم تحت طائلة العقوبة. ومن ثم نستنتج أن توسع المشرع بعبارة "ساكن المنزل"، لتشمل كل من يسمح له بالإقامة فيه من دون أن يكون مالكا له، إنما يندرج في إطار التعجيل بمسطرة المعاينة، فالأمر يتعلق بافتراض حالة التلبس، وهذه الأخيرة تستوجب الفورية على أية حال، بحيث لا داعي لحصر إجراء الالتماس بصاحب المنزل، الذي قد يكون غير الشخص الذي يقطنه، لأن من شأن ذلك إبطاء مسطرة المعاينة وربما استحالتها خصوصا إذا كان صاحب المنزل يعمل في منطقة بعيدة أو بالخارج مثلا.
ومع ذلك، تطرح هذه الصورة إشكاليات قانونية وعملية كثيرة، فعبارة "ساكن المنزل"، هل تعني من يسكن المنزل بصورة مستمرة كالمكتري مثلا، أو الشخص الذي يسمح له صاحب المنزل بأن يقيم به فترة معينة، كقريب أو صديق، على فرض أن الأمر يتعلق بمنزل اصطياقي، فائدة ارتياده لا تظهر إلا ضمن فترة زمنية محدودة في السنة، أو أي شخص كلفه صاحب المنزل بصيانته والمحافظة على آثاره، ولما لا مراقبته بين حين وآخر، بحيث وينظرنا المتواضع، كلمة القاطن" ولو أنها تنسجم مع ما تحمله الصورة الأولى من استمرارية في شغل المنزل، فهي قد تصطدم مع التصور العملي لاقتراض حالة التلبس بالجريمة داخل المنزل، والتي كثيرا ما افترض الفقه وقوعها داخل مدة - طويلة نسبيا - أصبح فيها المنزل مستهدفا لتجرده من الحماية الآنية، وربما لهذا السبب افترض المشرع حالة التلبس بالرغم من غياب شروطها الحقيقية.
الفقرة الثانية : أن تحصل المشاهدة من قبل ضابط الشرطة القضائية
ومفاد هذا الشرط أن تقع المعاينة المادية من قبل ضابط الشرطة القضائية، لأحدى حالات التلبس الأربعة المنصوص عليها في المادة 56 من ق م ج. ومعنى ذلك، أنه يشترط لكي يكون التلبس صحيحا، ومنتجا لآثاره أن تكون مشاهدة حالة التلبس قد تمت بمعرفة ضابط الشرطة القضائية، ويجب أن يكون هذا الأخير قد شاهد بنفسه الجاني أثناء ارتكابه للجريمة فعلا، أو على الأقل أن يكون قد حضر إلى محل الواقعة، عقب ارتكابها بفترة وجيزة، وشاهد أثارها وهي لا تزال قائمة، أو شاهد الضحية عقب وقوع الجريمة بزمن يسير وهو يعدو خلف الجاني لملاحقته والقبض عليه، أو شاهد عامة الناس وهم يشيعون الجاني بصياحهم، أو رأى الجاني بعد مدة من وقوع الجريمة وهو حاملا لأسلمة أو أشياء، أو كانت به علامات يستدل منها أنه مرتكب الجريمة أو شريك في ارتكابها. فإذا تلقى ضابط الشرطة القضائية نبأ التلبس عن طريق الرواية، ولم يشاهد هو نفسه صورة من صوره المتقدم ذكرها، فإن الجرم لا يعد مشهودا وداخلا ضمن حالات التلبس، وهذا الشرط ببوره الحرص على ضبط وتحديد حالات التلبس بالجريمة، إلا من المحتمل أن تكون رواية الشهود كاذبة، فتصير الإجراءات التي يتخذها ضابط الشرطة القضائية غير مستندة إلى أساس من القانون، كما يبرر هذا الشرط حرص المشرع أن يبقى التليس محصورا ضمن نطاق معين، وفي الحدود التي تقتضيها المصلحة العامة.
إلا أن بعض الفقه يرى أن إضافة هذا الشرط من قبل الفقه أو القضاء يبدو متعارضا مع الصياغة العامة للمادة 56 من ق م ج، كما يتعارض صراحة مع المادة 76 من نفس القانون التي جاء فيها بأنه "يحق في حالة التلبس بجناية أو جنحة يعاقب عليها بالحبس، لكل شخص ضبط الفاعل وتقديمه إلى أقرب ضابط الشرطة القضائية.
ونرى أنه من الناحية العملية، قلما يقوم ضابط الشرطة القضائية يضبط مباشر لإحدى الحالات الأربعة، ولا يمنع أن تتوفر حالة التلبس بعد علم الضابط بوقوع الجريمة من طرف أي مصدر كان، شريطة أن ينتقل فورا إلى مسرحها، ويعاين وقوعها، ويشرع في البحث فيها رجمع الأدلة بشأنها.
وهذا منسجم تماما مع مقتضيات المادة 57 من قانون المسطرة الجنائية التي جاء فيها أنه "يجب على ضابط الشرطة القضائية، الذي أشعر بحالة تلبس بجنحة أو جناية، أن يخبر بها النيابة العامة فورا وأن ينتقل في الحال إلى مكان ارتكابها لإجراء المعاينات المفيدة..."
الفقرة الثالثة : أن تكون المشاهدة مشروعة
إن معاينة ضابط الشرطة القضائية لحالة التلبس، يجب أن تتم بطريق مشروع ووفق الأحكام والمقتضيات الجاري بها العمل، بحيث يجب أن يكون في وضعية قانونية إزاء قيامه بمهامه وأن يتقيد بالقواعد الإجرائية التي نظمها القانون مع ما قد يترتب عن ذلك من آثار قانونية تعصف بجميع التدابير والإجراءات التي اتخذها. وانسجاما مع ذلك، لا يمكن لضابط الشرطة القضائية التذرع بالطبيعة الاستثنائية لمسطرة التليس، وهامش المرونة الذي يتوفر عليه في البحث والتحري، ليلجا إلى استعمال وسائل غير قانونية بغية للإيقاع بالجاني، واستعمال الخدعة أو الحيلة، لتحريض المتهم على ارتكاب الجريمة من أجل ضبطه.
فلا تقوم حالة التلبس، إذا كان الإجراء الذي اتخذه ضابط الشرطة القضائية مطابقا للقانون في نصوصه، لكنه غير مشروع، لأنه يكشف عن عيب التعسف في استعمال السلطة. لتجاوز حدود العرض الذي من أجله قرره القانون.
فإذا كان ضابط الشرطة القضائية يقوم بتفتيش مسكن شخص للبحث عن أسلحة، فإن ذلك لا يخوله فتح ورقة صغيرة عثر عليها داخل حافظة نقود المتهم، التي كانت موجودة بين طلبات فراشه، فإذا عثر فيها على مخدر لا تكون حالة تلبس قائمة، إذ أن البحث على الأسلحة لا يستلزم فتح ورقة صغيرة، فلا يعقل أن تحتوي على شيء عما يجري البحث عنه، كما لا تقوم حالة التلبس إذا كانت وليدة استعمال طرق تنطوي على عش أو خداع أو إكراه أو تحريض قام به ضابط الشرطة القضائية للإيقاع بالمتهم، لأن حالة التلبس لا تقوم لافتقادها لشرط المشروعية، لأن هذه الأسباب تنافي قواعد الأخلاق وتخالف قواعد القانون وختاما، ونظرا لخطورة الآثار التي تترتب على توفر حالة التلبس بالجريمة، سيما وأن المشرع منح لضباط الشرطة القضائية سلطات واسعة، مقارنة مع البحث التمهيدي في الظروف العادية، فقد تم تقييد التلبس وتأطيره بالشروط التي ذكرناها أنفا من جهة، وتمييزه بخصائص تعطيه أبعاده الإجرامية وتترتب عليه الآثار القانونية التالية:
-ذكر المشرع حالات التليس على سبيل الحصر، وبالتالي فهي محصورة تشريعيا، ولا يمكن القياس عليها، أو تقريب حالة من أخرى أو التوسع في تفسيرها.
-يتميز التلبس بطابعة العيني، أي أن المعاينة لتنصرف إلى الجريمة عينها، لا إلى مرتكبيها، كما لا يلزم التلبس مشاهدة مرتكب الجريمة بمعنى أن الاستدلال في حالة التلبس لا يتطلب رؤية الجالي مباشرة، بل يكفي تحقق المشاهدة القانونية والمادية للجريمة فقط
-ينصرف التلبس إلى الركن المادي في الجريمة، أي ينصب على المظاهر الخارجية من طرف ضابط الشرطة القضائية وقت اقترافها أو برؤية ما يكشف عن وقوعها بفترة قصيرة، وهذه الخاصية لا تتوفر في الجرائم السلبية.
-وإذا كان التلبس ينصب على الجرائم والجنح المعاقب عليها بالحبس، أي الأفعال الإجرامية الخطيرة، فإن هذه الخطورة منحت لضباط الشرطة القضائية صلاحيات واسعة واستثنائية، نظمها بمجموعة من التدابير والإجراءات التي يجب احترامها والتقيد بمقتضياتها.