تذييل الاحكام الاجنبية بالصيغة التنفيذية : الاثار و الطعن
المطلب الأول : أثار الحكم الأجنبي بعد تذييله بالصيغة التنفيذية
أولا : حيازة الحكم الأجنبي لقوة الشيء المقضي به
تذييل الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية يجعل هذه الأحكام تكتسي القوة التنفيذية فوق التراب الوطني بمعنى أنه تثبت لها حجية الشيء المقضي به، فقانون المسطرة المدنية لم يتعرض لهذه المسألة إلا أنه لا يختلف اثنان في القول بأن الحكم الأجنبي المذيل بالصيغة التنفيذية يصبح متمتعا بقوة الشيء المقضي به فوق التراب الوطني، لكن يبقى السؤال المطروح ما هو تاريخ حيازته لها، هل هو أثر رجعي أم فوري؟ وهو أمر مهم لتحديد تاريخ العديد من الحقوق كما في الأحكام الصادرة بإنهاء العلاقة الزوجية حيث يترتب عن تحديد تاريخ سريانها بداية احتساب العدة وكل ما يترتب عن ذلك من الحمل والنسب والرجعة وغيرها من المشاكل التي يمكن طرحها.
لم يجب المشرع المغربي عن هذا الإشكال سواء في قانون المسطرة المدنية ولا في مدونة الأسرة، مما يحتم علينا الرجوع إلى القضاء والفقه لأن جوهر الموضوع هو اعتبار الحكم بالتذييل مبينا للحق أو منشئا له؟ فهناك من الفقه من ذهب إلى القول بأن القوة التنفيذية للحكم تكون من وقت صدور الأمر بالتنفيذ، لأن أثر هذا الأمر بالنسبة لتلك القوة هو أثر منشئ، وهذه القوة هي ذاتها التي يتمتع بها أي حكم وطني وتخضع لطرق التنفيذ وإجراءاته للقانون الوطني ويتحدد ما يجب تنفيذه وفقا لمنطوق الحكم الأجنبي.
ويبدو أن الرأي الذي يقول بأن القوة الثبوتية للحكم الأجنبي يكتسبها ابتداء من صدوره في الخارج هو الجدير بالتأييد على اعتبار أن القضاء الأجنبي هو من فصل في وقائع النزاع وكشف وأنشأ حقوق طرفي الدعوى، بينما القضاء الوطني يبقى له دور المصادقة على ذلك الحكم بمنحه الصيغة التنفيذية على تراب وطنه دون النظر في وقائع النزاع سوى مراقبة شروط الحكم الأجنبي إن كانت تتوافق مع التي نص عليها القانون الوطني أم لا، ويؤيد هذا الرأي المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) حيث ذهب في عدة قرارات صادرة عنه إلى أن الحكم الأجنبي ينشأ أثره ابتداء من صدوره وهذا ما جاء في القرار الصادر بتاريخ 2006/09/13 والذي جاء فيه: " ... الحكم الأجنبي الذي صدر بالتطليق وبطلب من المدعية يرتب أثره وتنحل العصمة بين الطرفين ابتداء من تاريخ صدوره لا من تاريخ تذييله بالصيغة التنفيذية".
ثانيا : القوة التنفيذية للحكم المذيل بالصيغة التنفيذية
يتمتع الحكم الأجنبي بالقوة التنفيذية بعد خضوعه لرقابة القضاء الوطني وحصوله على الصيغة التنفيذية، لأنه لا يمكن للحكم الأجنبي أن ينفذ ولا أن تتخذ بواسطته إجراءات التنفيذ الجبري إلا بعد حصوله على الصيغة التنفيذية من طرف القضاء الوطني، حيث سندا تنفيذيا له قابلية التنفيذ الجبري وفق إجراءات التنفيذ المنصوص عليها في القانون المغربي ولو باستعمال القوة عند اللزوم، مما يجعل الحكم الأجنبي يرتقي في قوته إلى مصاف الأحكام الوطنية ويخضع لطرق التنفيذ المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية طبقا لقاعدة خضوع الإجراءات لقانون القاضي أي دولة التنفيذ.
وتجدر الإشارة إلى أن القوة التنفيذية للحكم الأجنبي تسري على مجموع التراب الوطني واتجاه الكل، وعليه فإذا كان نطاق قوة الشيء المقضي به تقتصر على الخصوم فيما بينهم فإن القوة التنفيذية يواجه بها الكل بما فيهم الغير، شريطة أن لا يخرج عن الحدود المرسومة في الحكم الأجنبي، وينبني على ذلك أن الاجتهاد القضائي يرفض الطلبات الإضافية المقدمة على هامش طلب التذييل، فإذا قدم المدعي طلب التذييل لحكم أجنبي قضى بالتطليق فلا يمكن أن يطلب بالموازاة مع ذلك تعديل مقدار النفقة أو تغيير تدابير الحضانة كما حددها الحكم الأجنبي لأن ذلك مرهون بإصدار حكم قضائي في الموضوع.
المطلب الثاني : الطعن في الحكم القاضي بتذييل الحكم الأجنبي الأسري بالصيغة التنفيذية
يصدر الأمر القاضي بتذييل الحكم الأجنبي بالصيغة التنفيذية ابتدائيا ويكون قابلا للطعن وفق القواعد العامة لقانون المسطرة المدنية طبقا للفقرة الأخيرة من الفصل 431 من ق.م.م، لكن كما سبق القول لا ينبغي الخلط هنا بين الحكم الذي تصدره المحكمة في طلبات الطلاق والتطليق والذي لا يقبل الطعن في شقه المتعلق بإنهاء العلاقة الزوجية وبين الأمر الصادر بتذييل الحكم الأجنبي بالصيغة التنفيذية المنظم بمقتضى المادة 2/128 من م.أ و ق.م.م والذي جاءت المقتضيات المنظمة له عامة بحيث تشمل جميع لأحكام الصادرة بالخارج، وبالتالي فإن الأمر الذي يصدر في الطلب الذي يرمي إلى تذييل حكم أجنبي بالصيغة التنفيذية يكون قابلا للطعن.
وهذا ما يتضح من خلال حكم صادر عن قسم قضاء الأسرة بالمحكمة الابتدائية بفاس بتاريخ 2019/01/24 القاضي بمنح الصيغة التنفيذية للحكم الأجنبي القاضي بالطلاق الاتفاقي حيث جاء في حيثياته ما يلي: " ... وحيث أن الحكم القاضي بمنح الصيغة التنفيذية في قضايا انحلال ميثاق العلاقة الزوجية يصدر انتهائيا يبقى قابلا للطعن من طرف النيابة العامة طبقا للفقرة الأخيرة من الفصل 431 من ق.م.م...".
كما أكد ذلك الفصل 430 من ق.م.م المتمم بقانون 61.19 في فقرته السادسة التي نصت على أن الأوامر الصادرة عن رئيس المحكمة الابتدائية أو من ينوب عنه غير قابلة للطعن إلا من طرف النيابة العامة.
ولما كان الهدف الأساسي الذي ترمي إليه جل التشريعات هو تحقيق العدالة والإنصاف وضمان احترام حقوق المتقاضين لحقوق القضاء، فإن المشرع المغربي أوجد عدة وسائل كفيلة بتحقيق هذا الهدف كالطعن في الأحكام، وذلك باستعمال طرق الطعن التي هي وسائل قضائية اختيارية نظمها القانون للاعتراض على الأمر الصادر بقصد إلغائه أو تعديله، وتمثل هذه الوسائل ضمانات هامة ممنوحة للمتقاضي تسمح له باستدراك ما قد يكون القاضي وقع فيه من خطأ في القانون أو في الواقع بغية إصلاحه ورفعه عن المتضرر، والقواعد المنظمة للطعن في الأحكام وإن كانت جوازية فهي مقررة في القانون بنصوص. أمرة لا يجوز الاتفاق على تعديلها، وذلك رعيا لمجموعة من الاعتبارات التي قصد المشرع تحقيقها بإعطاء المحكوم عليه فرصة طرح النزاع من جديد على قضاء من درجة أعلى.
ونشير إلى أن الإشكال الذي تطرحه مسألة الطعن في الأمر القاضي بتذييل الحكم الأجنبي الأسري بالصيغة التنفيذية هو أنه يعقد المسطرة على المعنيين بالأمر ويفرض عليهم الانتظار لمدة طويلة كون استيفاء درجات التقاضي بما فيها الطعن بالنقض يوقف التنفيذ في الأحوال الشخصية طبقا للفصل 361 من ق م م مما يؤدي إلى إطالة مسطرة التقاضي خاصة إذا تم استدعاء الطرف الأخر أو إذا قررت النيابة العامة الطعن في هذا الحكم الصادر في موضوع التذييل بالصيغة التنفيذية.
أولا : الاستئناف
يقبل الأمر الصادر عن رؤساء المحاكم الابتدائية القاضي بتذييل الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية للطعن بالاستئناف أمام الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف داخل أجل 15 يوما من طرف النيابة العامة فقط حسب التعديل الجديد للفصل 430 من ق.م.م المتمم بقانون 61.19.
فالأحكام القابلة للاستئناف هي كل الأحكام الصادرة عن المحاكم الابتدائية في حدود اختصاصها الابتدائي، إلا أن هناك حالات عدة لم يسمح فيها القانون باستئناف الأحكام الصادرة المحاكم الابتدائية، ويقرر المشرع ذلك خلافا لمبدأ التقاضي على درجتين لاعتبارات تتصل بخصوصية موضوع الدعوى أو بنوعية بعض الأحكام والأوامر الصادرة عن المحاكم الابتدائية، وانسجاما مع الأحكام الواردة في مدونة الأسرة بشأن حالات إنهاء العلاقة الزوجية فإن المشرع المغربي بموجب القانون 61.19 اعتبر أن الحكم القاضي بالتذييل بالصيغة التنفيذية يبقى غير قابل للطعن بالاستئناف في الشق المتعلق بإنهاء العلاقة الزوجية، وبمفهوم المخالفة فإن الأحكام التي لا تنتهي بالاستجابة للطلب رفضا أو عدم قبول أو غير ذلك تبقى قابلة للاستئناف من الأطراف أو من النيابة العامة على حد سواء أمام جهة الاستئناف، وهو ما يسري أيضا على الالتزامات المادية والمعنوية التي قد يتضمنها الحكم الأجنبي، في حين أنه في حالة تذييل الحكم بالصيغة التنفيذية فإن للنيابة العامة حصرا حق الطعن فيه استثناء من القاعدة الموسومة أعلاه، وهو ما يجد مبرره في ضرورات الحفاظ على النظام العام المغربي والتطبيق السليم للقانون خصوصا في ظل التعقيدات التي باتت تشوب الأنظمة القانونية المقارنة في المجال الأسري واختلافها الجوهري مع القانون الوطني.
ثانيا : الطعن بالتعرض
الأحكام القاضية بتذييل الأحكام الأجنبية بالصيغة التنفيذية تقوم بالنظر إلى ذاتها وليس بالنظر إلى الحكم الذي تم تذييله مما يجعلها قابلة للاستئناف، وهذا يعني أنها لا تقبل التعرض في المرحلة الابتدائية، أما في المرحلة الاستئنافية فقد كان الحكم القاضي بالتذييل قبل تعديل الفصل 430 من ق.م.م يقبل ممارسة التعرض من طرف الأطراف ولا يحق للنيابة العامة ممارسته، وكان التعرض يخضع في إجراءاته للقواعد العامة للتعرض المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية ويجب تقديمه داخل أجل 10 أيام من تاريخ التبليغ، وبصدور القانون الجديد رقم 61.19 المتمم للفصل 430 من ق.م.م أصبح بمقتضاه الطعن بالتعرض في المرحلة الإستئنافية ممنوعا وذلك بصريح عبارة الفقرة الأخيرة من الفصل 430 المعدل التي جاء فيها أنه " لا يقبل القرار الصادر الطعن بالتعرض".
ثالثا : الطعن بالنقض
جرى العمل القضائي على جواز ممارسة الطعن بالنقض في الأحكام والقرارات الصادرة في موضوع التذييل بالصيغة التنفيذية وإن كان هذا الجواز أثار نقاشا من طرف بعض الفقه الذي يرى بأن لهذا الطعن أثر سلبي على حقوق الأشخاص على اعتبار أن طالب التذييل يتكبد عناء سلوك مجموعة من الإجراءات في بلاد المهجر من أجل استصدار حكم لصالحه، فلما يحصل على مبتغاه يأتي إلى وطنه من أجل الاستفادة من أثار هذا الحكم ليجد نفسه أمام خصومة جديدة أطول من الخصومة الأصلية وخاصة إذا تم تطبيق مقتضيات الفصل 361 من ق.م.م في الأحكام ذات العلاقة بالأسرة والتي تعتبر الأكثر شيوعا في دعاوى الصيغة التنفيذية.